من بين الركام والدمار.. فصول غزة تنبض بالحياة والأطفال يتشبثون بالعلم
من بين الركام والدمار.. فصول غزة تنبض بالحياة والأطفال يتشبثون بالعلم
بخط صغير منمق كانت الطفلة الفلسطينية شام العبد تدون دروسها وهي تستند على مكتب مدرسي قديم داخل فصل بمدرسة دير البلح الابتدائية المشتركة التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا).
كانت يدها الصغيرة تطوق دفترها كما لو كانت تعانقه، فهو بالنسبة لها رمز لعودة الحياة بعد انقطاع قاس عن الدراسة دام عامين بسبب الحرب على غزة.
قالت شام بابتسامة خجولة وفقاً لموقع أخبار الأمم المتحدة في غزة إنها هنا لتتعلم بعد عامين من الغياب، مضيفة أن ما تريده وزملاؤها هو كراسات وكتب وأقلام، وأنهم يريدون أن يستعيدوا حياتهم.
فصول بلا مقاعد
داخل الفصل ذاته جلست زميلتها أسيل اللوح وهي تشارك الحماس للعودة إلى الدراسة، وقالت إنها تتمنى أن تعود المواد الدراسية كما كانت من قبل، موضحة أنهم يدرسون الآن العربية والإنجليزية والرياضيات فقط.
الفصل الذي تجلس فيه الطفلتان لم يعد كما كان. الجدران المتشققة تحاول أن تستعيد ملامحها بلوحات ورسومات بسيطة، والمكاتب القديمة تقاوم الزمن، في حين لا يزال بعض الأطفال يفترشون الأرض لعدم وجود مقاعد كافية.
ورغم ذلك تملأ المكان ضحكات صغيرة تقاوم الصمت والرماد، المعلمون يعملون بعزيمة لإحياء الدروس، في حين تعيد الأونروا تنظيم المدارس التي تحولت إلى ملاجئ خلال الحرب.
مدرسة تتحول إلى ملجأ
في أروقة مدرسة دير البلح يطهو النازحون طعامهم بين الفصول، وتصطف خيامهم في ساحة المدرسة المصنوعة من أقمشة مشمعة وبطاطين بسيطة.
ورغم أن المدرسة لا تزال تؤوي مئات العائلات، فإن الحياة الدراسية بدأت تدب فيها من جديد.
قالت الطفلة شهد البحيصي إنها عادت إلى مدرستها لتجدها مدمرة والنازحين يملأون المكان، لكنها أكدت أنها مصممة على مواصلة دراستها مهما كانت الصعوبات.
العودة إلى التعلم
أكد المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني أن الوكالة تعمل على توسيع برنامج العودة إلى التعلم في غزة سواء بالحضور الشخصي أو عبر الإنترنت في محاولة لإعادة بناء ما تهدم من نظام التعليم.
وقالت المتحدثة باسم الأونروا إيناس حمدان إن أكثر من اثنين وستين ألف طالب وطالبة استفادوا من برامج التعلم المؤقت منذ أغسطس 2024، في حين يتلقى نحو ثلاثمئة ألف طالب آخرين دروسهم عبر التعليم عن بعد بمساعدة ثمانية آلاف معلم ومعلمة في مختلف أنحاء القطاع.
وأضافت حمدان أن هؤلاء الأطفال يستحقون فرصة للحياة والكرامة والتعليم أينما كانوا، مشيرة إلى أن التعليم في غزة أصبح اليوم رمزاً لصمود لا ينكسر.
العودة من جديد
في ساحة المدرسة التي كانت يوماً ما مأوى للنازحين تتعالى ضحكات الأطفال من جديد، حيث قالت الطالبة إنعام المغازي إن الحرب أوقفت كل شيء، لكنها الآن عادت مع أصدقائها إلى الفصول لتبدأ مرحلة جديدة من الأمل والتعلم.
كلماتها تختصر حكاية جيل يحاول أن يكتب مستقبله رغم أن دفاتره ما زالت تحمل غبار الدمار.
تسببت الحرب الأخيرة في غزة في دمار واسع للبنية التعليمية، إذ تضررت مئات المدارس وتحولت عشرات منها إلى مراكز إيواء للنازحين، وتقدر الأونروا أن نحو ثلثي طلاب القطاع انقطعوا عن الدراسة لفترات طويلة بسبب النزاع، في حين تعمل حالياً على توفير بيئة تعليمية مؤقتة تساعد الأطفال على العودة إلى مقاعد الدراسة تدريجياً.
ويعد برنامج العودة إلى التعلم من أبرز المبادرات التي أطلقتها الأونروا لإحياء العملية التعليمية، حيث يجمع بين التعليم داخل المدارس المتضررة والتعليم عبر الإنترنت، مع التركيز على دعم الصحة النفسية للأطفال الذين عانوا من آثار الحرب.
ورغم قسوة الظروف تبقى غزة شاهدة على إرادة أطفالها الذين يصرون على أن العلم هو طريقهم نحو الحياة والكرامة.










